موضوع: ابقى معى الجزء الثالث والاخير الثلاثاء مارس 26, 2013 1:26 am
أبقى معي ( الجزء الثالث والأخير )
لقد صاحب تلك الأشياء السعيده أتصال زوجي الشهري بي ، وعندما سمع صوتي ونبره السعاده التي لم يتعود عليها في أتصالته السابقه بي ، سألني عن سر نبره السعاده التي أتحدث بها وهل هي لأني أصبحت راضيه عنه أخيرا ً وغير ساخطه علي سفره ؟ فأجبته بسرعه شديده ، بأنه من المستحيل ان أصبح راضيه عن سفره وتركه لي ولأولاده ، وان سر سعادتي هو عوده السعاده الي المنزل مرة أخري بعد مرور قرابه ثلاثه أشهر علي رحيله عنه .
وبعد مرور أربعه شهور علي سفر مجدي ، انتظرت عودته الي المنزل بفارغ الصبر ، وكلي أمل في ان يبلغني ببقائه في مصر وعدم عودته للسفر مرة أخري ، ولكن دائما ً ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ، فلقد أتصل بي مجدي ليعلمني انه لن يعود الي المنزل هذه الأيام ، وذلك لأن ضغط العمل عليه كبير ولأن زميله الأمريكي في العمل يكن الحقد والكره له واذا ترك العمل ونزل الي مصر في ذلك التوقيت ، سوف ينتهز زميله الأمريكي ذلك لكي يأخذ مكانه . وبعد مرور ثمان أشهر كرر مجدي ما قاله في المكالمه التي جرت في الشهر الرابع ، الا انها في هذه المكالمه أخبرني انه في نهايه العام سوف يأخذ أجازة لمده أسبوع ليقضيها معي ومع الأولاد .
ولقد أخبرت أهلي وجميع أقاربي بهذه المكالمه حتي يتجهز الجميع لتلك الأجازة التي أنتظرتها طويلا ً ، وقبل أسبوع من تلك الأجازة أتصلت صديقتي المقربه مي لتقول ...
مي : السلام عليكم ورحمته وبركاته ، ازيك يا أمل عامله ايه ؟
أمل : جهزي نفسك بقي يا مي عشان خلاص هانت كلها كام يوم ومجدي ينزل أجازه ، عشان ترتب ِ معايا الشقه وكل حاجه عشان انا عاوزه أعمله احتفال بمناسبه عودته لينا ان شاء الله .
مي : ان شاء الله ، بس هو انا كنت عاوزه أسألك علي حاجه .
أمل : أتفضل ِ اسأل ِ براحتك يا مي .
مي : هو اسم الشركه الي جوزك شغال فيها ايه ؟
أمل : مرسل ميجل ، انتي بتسأل ِ ليه ، هو انتي بتدور ِ علي شغل لحد ؟
مي : يا نهار أبيض ، أفتح ِ التلفزيون بسرعه .
أمل : يا نهار أبيض علي ايه ؟ وافتح التلفزيون ليه ؟ انتي هتقليقيني ليه ؟
مي : أفتح ِ التلفزيون بس علي القناة الأولي وانتي تعرف ِ .
أسرعت بأتجاة التلفاز وفتحته لأجد القناة الأولي تذيع نبأ سقوط مئات القتلي في شركه مرسل ميجل أثر هجوم أنتحاري بجوار مصنع مرسل ميجل بولاية نيو جيرسي . ولوجود غازات سريعه الأشتعال بهذا المصنع أدي الي أشتعال المصنع بأكمله في نصف ساعه تقريبا ً . فقومت بتغير القناة الأولي علي الفور حتي أعثر علي أحدي قنوات الأخبار المتخصصه لكي أعلم التفاصيل الدقيقية عن هذا الهجوم . وبالفعل عثرت علي قناة ال بي بي سي التي وضحت جميع جوانب الخبر كما انها عرضت بيان علي لسان بن لادن الذي أعلن عن مسؤليته عن هذا الحادث وعن الحوادث الأخري التي تزامنت مع هذا الهجوم سواء في باريس او لندن او برلين ، وأعلن ان أسباب هذه التفجيرات الأنتحاريه هو أستمرار بناء أسرائيل للمستوطنات في الأراضي المحتله ، وعدم تحرك المجتمع الدولي إزاء ذلك ، وقال انه اذا لم يتحرك المجتمع الدولي لأيقاف بناء مستوطنات جديده في الأراضي المحتله سيقوم بتفجيرات أنتحاريه أخري ، ولكن في تلك المرة سوف يستهدف مناطق أستراتجيه في الدول الأوربيه مثلما أستهدف قبل ذلك برج التجاره العالمي .
هذه الصورة تم تصغيرها . إضغط على هذا الشريط لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي . أبعاد الصورة الأصلية 744x474 .
أسرعت الي الهاتف لكي أتصل بشركه مرسل ميجل لكي أري اذا كانت تلك النشره صادقه . كان تفكير مشتت فكيف تكون تلك الأخبار صادقه ؟ وكيف يقتل الأبرياء بأسم الأسلام ؟ وكيف يدعي شخص بأنه مسلم وهو يقتل ويسفك دماء الأبرياء ؟ وكيف يدعي بأنه يدافع عن الفلسطينين وهو يفعل مثلما يفعل الأسرائليون في فلسطين ؟ اذا كان صادقا ً في ما يزعم فلماذا لا يقوم بعمل تلك التفجيرات في تل أبيب ؟ ولماذا لا يقوم بعمل تلك التفجيرات في الجيوش الأمريكيه التي تهاجمه ؟ ولماذا يتشدق البعض بقول انه يدافع عن الحق والخير وهو يزهق الدماء في كل مكان ؟
عندما أمسكت سماعه الهاتف لكي أتصل بالشركه وجدت مي لاتزال علي الهاتف فأقفلت معها ، ثم أتصلت بشركه مرسل ميجل الذين قالوا لي أنهم لا يعلمون اسماء الناجين من ذلك التفجير الأرهابي ، وانهم في غضون ساعات قليله سوف يحصلون علي تلك المعلومات . وبعد حوالي خمس ساعات أتصلت بهم فأعلموني بأنهم لم يجدوا اسم زوجي بين الأسماء التي وردت لهم . وأن الشركه أرسلت حوالي تسع طائرات لتحمل جثث ضحايا تلك المجزره ، وان علي ان أتوجه الي المطار منذ الساعه السادسه صباحا ً ، حتي أتعرف علي زوجي . فصرخت فيهم قائله : " هل تعنوا ان زوجي قد مات ؟ هل تعنوا ان مجدي قد مات ؟ ... الووو الوووو ردوا علي أرجوكم ردوا علي فهموني هل زوجي مات ؟ مجدي مات ؟ البسمه ماتت ؟ والسعاده ماتت ؟ والحب مات ؟ الأمل مات ؟ كل حاجه في الدنيا ماتت ؟ ... ردوا علي أرجوكم أرجوكم فهموني فهموني " .
وانا أمسك السماعه وكلي أمل ان يفهمني اي شخص ماذا يجب ان افعل ، ومن يجب أن ألعن . هل ألعن الأموال لأنها هي التي جعلت مجدي يسافر ، أم ألعن البلد التي أعيش فيها لأنها لا تساعد اي أنسان علي النجاح ، أم ألعن بن لادن الذي يدعي الأسلامي وقتل زوجي . وجدت طرق شديد علي باب المنزل فذهبت مسرعه لأري من الطارق وجدتها حماتي فأرتميت في أحضنها وأجهشت في البكاء ، فوجدتها تقول لي ...
حماتي : الأولاد عرفوا ؟
أمل : لاء انا لسه ما قلتلهمش حاجه .
حماتي : طيب هم فين ؟
أمل : هم نايمين جوه .
حماتي : طيب ما تقوليش لهم أي حاجه دلوقتي لغايه اما نشوف هنعمل ايه في المصيبه ديه ، وهنقولهم ازاي .
أمل : انا أتصلت بالمصنع علي فكره وقالوا اني لازم أروح بكره الصبح المطار علي الساعه 6 الصبح .
حماتي : اة ما هم قالوا لي كده ، فانا قلت أجي أقعد معاك لغايه الصبح لأني عارفه انك هتبقي منهاره .
فجأة وجدت الباب يطرق بشدة مرة أخري ففتحته لأجد والدتي ووالدي ، فأدخلتهما وما هي الأ ثواني ووجدت الهاتف يرن ... أنها مي تريد ان تعرف ماذا فعلت فأخبرتها وأقفلت معها ، ومع هي الا ثواني معدوده ووجدت الهاتف يرن ... أنه صديق مجدي الذي لم يسافر لظروف مرضه ... وما هي الا ثواني قليله وجدت صديق أخر لمجدي يتصل . فنصحتني أمي بأن أنزع سلك الهاتف حتي لا يستيقظ الأولاد ويعلموا ما حدث لوالدهم ، وبالفعل فعلت ما أمرتني به والدتي .
وعند الساعه الخامسه أيقظت أولادي وأخبرتهم بأني قد جهزت لهم الطعام في المطبخ ، وانهم لا يجب ان يذهبوا الي المدرسه اليوم لأن الطقس في منتهي السوء ، وأخبرتهم ايضا ً اني اذا تأخرت سوف اتصل بهم حوالي الساعه الثانيه عشر لكي أطمأن عليهم واعلمهم بتأخري . وزياده في التأكيد كتبت ورقه بها جميع تلك الأشياء ووضعتها بجوار كل واحد منهم .
وذهبنا الي المطار ، وكان المنظر مرورعا ً ليس منظر الجثث - فالجثث لم تأتي بعد - ، ولكن منظر مئات الأهالي الذين ينتظرون وصل الجثث وعيونهم مملؤه بدموع الحسره والآلم ، فذلك الرجل يتنتظر وصل جثه أبنه الذي سافر من أجله لكي يجمع الأموال اللازمه لعمل عمليه زرع القلب له . وتلك السيده التي تقوم بعمل غسيل للكلي كل فترة تنتظر وصل جثة أبنها الذي سافر من أجلها حتي لا تتوقف عن غسيل الكلي وتموت . وتلك الشابه الصغيرة التي سافر خطيبها لكي يستطيع ان يلبي طلبات والدها الجشع ... مئات الأهالي ينتظرون وصول أشلاء ابنائهم ، وينتظرون ان يسدلوا الستار علي تلك المأساة المروعة .
مع هبوط أول طائره تحمل جثث تلك المجزره المروعه أرتفعات صراخات النساء في جميع انحاء المطار وأرتفعت أصوات بكاء الأطفال الصغار وتدافع الجميع ليروا جثث أولادهم ، ولكن الشرطه منعتهم من ذلك ، وقالت لهم انهم يجب ان ينتظروا قليلا ً حتي يتم تنظيم عمليه التعرف علي الضحايا حتي لا يحدث تدافع وتحدث أحداث مؤسفه لا يحمد عقباها .
انتظرت طويلا ً حتي أدخل ولكن بدون جدوي وحوالي الساعه الثانيه عشر أتصلت بأولادي ...
أمل : الوووو .
معتز : الووو يا ماما ، انتي فين ؟ ده بابا أتصل وسأل عليك .
أمل : بابا مين ؟ مجدي أتصل ؟ انت هتهزر يا معتز .
معتز : لاء والله يا ماما ده بابا اتصل وسأل عليك ، وقال لنا انه بيتصل من أمبارح بليل وما حدش بيرد .
أمل : أديني محمود .
محمود : الوووو يا ماما .
أمل : هو ابوك اتصل بجد يا محمود ؟
محمود : اة أتصل يا ماما وكلمني انا ومعتز ومريم ، وسألنا عليك ِ فقولنا له انك نزلت ِ من الساعه 5 الصبح وانك هتتصل ِ بينا علي 12 ، فقال لنا اما أمكم تتصل قولوا لها اني بخير وان واحد أنقذني . سألناه أنقذك من ايه يا بابا قلنا في مشكله كده حصلت في الشغل وامكم عرفاها قولوا لها انتم بس وهي هتفهم ، واني هتصل بيها علي الساعه 5 عشان أطمن عليها ، واما مريم سألته هو هيرجع مصر أمتي قال لها انه هيجي علي اخر الأسبوع ده .
من شده فرحتي بما سمعته من محمود ومعتز أصبح لا يتردد علي لسان سوي مقوله واحده فقط وهي : " مجدي ما ماتش يا ماما مجدي ما ماتش يا ماما " وكل ما أرددها مره تزداد نبره صوتي في الأرتفاع ، وعند سماع والدتي والولدي ذلك وحماتي أصبحوا يهللون ويزغرطون فرحا ً بهذا الخبر السعيد ، لدرجه ان بعض الناس أعتقدوا اننا اصبحنا مجانين واحضروا لنا ضباط الأمن الذين أعتقدوا في البدايه ان ما نفعله نتيجه لرؤيتنا جثه قريبنا ، فقالوا لنا " هي ديه سنه الحياة وفيه حديث قدسي بيقول عش ما شأت فأنك ميت وأحبب ما شأت فأنك مفارقه " فشرحنا لهم الحكايه ، فقالوا لنا " الحمد لله علي سلامه قريبكم ، بس يا ريت تروحوا بقي عشان ما تأذوش الناس أكثر من كده بضحكاتكم وأفراحكم . " فوافقنهم القول ، ولكن قبل انصرافنا من المطار دخلنا المسجد الموجود هناك وصلينا ركعتين شكر لله علي سلامه مجدي من تلك المجزره ودعونا الله ان يرحم شهداء تلك المجزره وان يصبر أهاليهم .
عدنا للمنزل ونحن في قمه السعاده والسرور وسألنا الأولاد عن أدق التفاصيل التي جأت في المكالمه ، وانتظرنا حتي حانت الساعه الحاسمه الا وهي الساعه الخامسه الأ ان مجدي لم يتصل وانتظرنا الي الساعه السادسه فلم يتصل أحد فأتجه والدي الي الأولاد لكي يتأكد من روايتهم فأقسموا بان ما قالوه هو الحقيقية وانهم لا يكذبون أما حماتي فقالت " ديه اخره الي يمشي ورا العيال . " وفي الساعه السادسه وخمس دقائق رن الهاتف فصمت الجميع فأتجهت الي الهاتف مسرعه ...
أمل : ألووووووووو .
مجدي : ألووووووو يا حبيبتي .
أمل : مين مجدي ! يا حبيبي يا مجدي ، انت كويس انت بخير ؟ انت عامل ايه دلوقتي ؟ وانت مصاب ولا حاجه ؟
مجدي : انا الحمد لله يا حبيبتي كويس ما عنديش أصابات خطيره الحمد لله ، ما عنديش غير خدش بسيط في رجلي .
أمل : طيب أومال انا اما أتصلت بالولاد ... الي في الشركه قالوا لي أروح أستلم جثتك ليه في المطار ! أما ولاد ... صحيح موتوني الله يخرب بيتهم زي اما عيشوني في مرار .
مجدي : أة ما هو أصلي انا واتنين أصحابي اما التفجير حصل كنا في نص المصنع وكان معانا واحد امريكي اسمه ميشيل . وميشيل ده بقي دهايه عارف كل خرم في المصنع عرف يطلعنا بسرعه قبل اما المصنع كله يولع ، بس كانت مصيبه بكل المقايس ، عارفه واحنا طلعين من المصنع ما كناش بندوس علي أرض كنا بندوس علي جثث بس الحمد لله علي كل شئ . وانا دلوقتي قاعد عند ميشيل لغايه اما هشوف الدنيا هتمشي ازاي .
أمل : طيب ما تيجي مصر بدل اما يحصل اي تفجير تاني ولا حاجه ، لأحسن بن لادن قال انه هيستمر في العمليات التفجيريه .
مجدي : بن لادن ابن ... ده الي مخليني مش عارف انزل مصر .
أمل : ازاي يعني ؟
مجدي : من ساعه التفجيرات ديه والتلفزيون الأمريكي عمال يعرض لمظاهرات ضد الأسلام والمسلمين وفي ناس بتقول اننا لازم نقتل أي مسلم علي أرض أمريكا .
أمل : طيب ، وايه العمل هتنزل مصر ازاي ؟ ... اة بص انا جتلي فكره .
مجدي : ايه هي ؟
أمل : بص انا هتصل بالشركه واقولهم علي مكانك وهم أكيد هيعرفوا يأمنوك كويس .
مجدي : طيب كويس فكره عبقريه جدا ً ده عنواني ... وده رقم تليفوني ... عشان ان احتاجوا انهم يكلموني ، وانا هقفل دلوقتي عشان تتصل بيهم ، عاوزه حاجه مني قبل أما أقفل يا أمل .
أمل : انا هتصل بيهم دلوقتي يا مجدي وخلي بالك من نفسك .
وبالفعل اتصلت بيهم واستطاعوا ان يجدوا مجدي وان يعيدوه الي مصر بسلام . وعندما ذهبت الي المطار لأستقبال مجدي وجدت انه لا يزال الكثير من الناس يتنتظرون وصول المزيد من الجثث ليتعرفوا علي ضحايهم . عندما رأيت مجدي وهو يحمل شنط السفر جريت بأتجاه وأرتميت في صدره وانا في منتهي السعاده فلقد عاد زوجي لي مرة أخري ولن يسافر من جديد . وعند خروجنا من المطار أشرت الي أهالي الضحايا وقلت لمجدي : " شوفت السفر بيعمل في الأهالي ايه " . فقام أيضا ً بالأشاره للأهالي وقال لي : " شوفت ِ الأرهاب بيعمل في الناس ايه " .